الرد على شبهة والأرض مددناها

الرد على شبهة الأرض الممدودة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
ثم أما بعد:

الرد على شبهة الأرض الممدودة:

قال المشككين: أن القرآن الكريم لم يترك كلمة أو مصطلح في اللغة العربية إلا وأتى به ليثبت أن الأرض مسطحة وليست كروية!
وقالوا إن كلمة (مددناها) التي وردت في الآية الكريمة، تعني سطحناها ليلبسوا على الناس أمر دينهم، 
وإنه في الواقع ما أشاع هذه الشبهة إلا مدلس جاهل لا يفقه من العلم شيئا إلا أنه يريد التدليس والتلبيس.


والآيات المثارة الشبهة حولها هي في قوله تعالى:

(19)   وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ.
[سورة الحجر]

وقوله تعالى:
(7)   وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
[سورة ق]


الرد:
نبدئ على بركة الله
اعلم أخي القارئ أنه لا يمكن بأن يكون في كتاب الله أخطاء، فهو أصح كتاب على وجه الأرض منذ أن خلقها الله سبحانه وتعالى.

وأما كلمة (مددناها) فلا تعني أن شكل الأرض مسطح أو مستطيل أو مربع، وفي كثير من الأحيان قد يقرأ أو يسمع العبد آية من كتاب الله تعالى ثم يأتي الى كلمة فيفهمها أو يؤولها أو تتشابه عليه معانيها بيد أنها تكون عكس ما فهم تماما،
وسنعطي مثال على ذلك في قوله تعالى:
( 19 )   إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
[آل عمران]

على سبيل المثال قد يتبادر الى ذهن البعض حين يقرأ قوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) بأن أهل الكتاب تخاصموا فيما بينهم وتشاكلوا وضرب بعضهم بعضا! (طبعا وهذا قد حصل بأن قتل أهل الكتاب بعضهم بعضا وسيأتي ذكره) في حين أن قوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يعني بأن أهل الكتاب كانوا على شيء ثم تغيروا إلى شيء ثاني أي أنهم كانوا في اتجاه ثم اختلفوا إلى اتجاه آخر كانوا يقرأون نعت رسول الله في التوراة وينتظرونه ثم أصبحوا ينكرونه ويكفرون بمبعثه، كان النصارى يعبدون الله ويوحدونه في أوائل بعثة المسيح ابن مريم ثم أصبحوا من بعده يشركونه في عبادة الله كانوا على التوحيد ثم اختلفوا وتغيروا عن هذا المنهج فأصبحوا على الإشراك والعياذ بالله -تعالى-.

وقال -تعالى-:

( 253 )    تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ.
[سورة البقرة].

ولا حظ كيف أتت كلمة (اقتتلوا) مغايرة لكلمة (اختلفوا) بمعنى اقتتلوا والتعليل هو الاختلاف أي اقتتلوا بسبب أنهم اختلفوا.

وقال الإمام القرطبي:
ولفظ الذين أوتوا الكتاب يعم اليهود والنصارى ; أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان صفته ونبوته في كتبهم. وقيل: أي وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل في أمر عيسى وفرقوا فيه القول إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله إله واحد، وأن عيسى عبد الله ورسوله. بغيا نصب على المفعول من أجله، أو على الحال من الذين، والله تعالى أعلم. ..//انتهى//..

لذا فعندما نقرأ في كتاب الله تعالى ثم نأتي إلى قوله تعالى (مَدَدْنَاهَا) فلا يعني أن الأرض مسطحة على شكل مستطيل.

وكلمة (مَدَدْنَاهَا) تعني الاستمرار في الشيء والإكثار منه وهي للمبالغة
وفي الآية الكريمة ما يدل على أن الأرض كروية وليست مسطحة على سبيل المثال لو أحضرنا لوحا خشبيا مسطحا لنمشي عليه فلن نستطيع الاستمرار في المشي لأن اللوح الخشبي له حدود ونهايات أما لو أتينا بجسم كروي لنمشي عليه فسنكون في هذه الحالة نمشي باستمرار من دون نهاية،

وكذلك الأرض أيضا فلو كانت مسطحة على شكل مستطيل لكان سيكون لها حدود تمنع الناس من المشي عليها بشكل مستمر ولكن كونها (الأرض) كروية فأصبح المسير عليها مستمرا بلا توقف ولذلك فالأرض أرض ممدودة ليس لها نهايات مهما مشى الإنسان عليها على اختلاف وسائل التنقل.

إذا فالآية الكريمة فيها إثبات لكروية الأرض وليس كما يشيعه المشككين والملبسين.


ثانيا:
كما أن كلمة (مَدَدْنَاهَا) وهي كلمة جامعة وقد وردت في كتاب الله تعالى في عدت مواضع وجاءت بمعنى العطاء المستمر،
ومنها قوله تعالى:
(12)   وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا.
(سورة نوج).

وقال ابن كثير:
وقوله: (ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدر لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها. ..//انتهى//..

ومنها في قوله تعالى:
(6)   ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا.
[سورة الإسراء].

وقال الطبري:
(وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) يقول: وزدنا فيما أعطيناكم من الأموال والبنين.

ومنها قوله تعالى:
(109)   قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا.
[سورة الكهف].

وقال ابن كثير:
يقول تعالى: قل يا محمد: لو كان ماء البحر مدادا للقلم الذي تكتب به كلمات ربى وحكمه وآياته الدالة عليه، (لنفد البحر) أي: لفرغ البحر قبل أن يفرغ من كتابة ذلك) ولو جئنا بمثله) أي: بمثل البحر آخر، ثم آخر، وهلم جرا، بحور تمده ويكتب بها، لما نفدت كلمات الله، كما قال تعالى: (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) [لقمان: 27]. ..//انتهى//..

ومنها قوله تعالى:
(22)   وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ.
[سورة الطور].

وحتى نفهم بشكل أوسع وأكثر تفصيلا سنقرأ قوله تعالى:
 (45)   أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا.
[سورة الفرقان].

والسؤال هنا هو كيف مد الله سبحانه وتعالى الظل؟
كيف يمد الله العلي سبحانه وتعالى الظل؟

والجواب يسير بإذن الله تعالى والظل المقصود هنا هو ظل النهار، يمد الله سبحانه وتعالى الظل بضوء الشمس فالظل بلا ضوء لا يكون ظلا وحتى يكون ذلك لا بد له من ضوء يسلط على جسم ما بشكل مستمر ليظهر له ظلا من الجهة المغايرة، والآية الكريمة هنا لتعلمنا قدرة الله سبحانه وتعالى ولطفه وكيف أنه سبحانه جعل حركة الشمس والأرض حركتان منتظمتان ولهذا فإننا نرى ظلا منتظما كالساعة الشمسية مثلا، والإعجاز هنا ليس في الظل فقط إنما بالذي نظم حركة الشمس والأرض معا.

وقال ابن كثير:
أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا
من هاهنا شرع تعالى في بيان الأدلة الدالة على وجوده، وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة، فقال: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل)؟ قال ابن عباس، وابن عمر، وأبو العالية، وأبو مالك، ومسروق، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والضحاك، والحسن البصري، وقتادة، والسدي، وغيرهم: هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. (ولو شاء لجعله ساكنا) أي: دائما لا يزول، كما قال تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة) ، (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة) [القصص : 71 - 72].

وقوله: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) أي: لولا أن الشمس تطلع عليه، لما عرف، فإن الضد لا يعرف إلا بضده.  ..//انتهى//..

الى هنا وبدأت الأمور تتوضح أمامنا بشكل أوسع

قال تعالى:
(3)   وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
[سورة الرعد].
وقال أيضا:
(19)   وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ.
[سورة الحجر].
وقوله تعالى:
(7)   وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
[سورة ق].

إذا فنحن نعيش على أرض ممدودة ونعم الإله الذي مدها ومددها، فالماء والطعام فيها لا ينفذان والحركة فيها مستمرة لأنها أرض ممدودة.

طبعا ويجب التنويه الى أن بعض المفسرين ذهبوا في القول بمد الأرض بمعنى بسطها طولا وعرضا وهذا لا يخالف أيضا لأننا قلنا بأن الكلمة (مددناها) كلمة جامعة وتحوي عدت معاني وهي في كل معانيها لا تخالف الحق،



وسنأتي الى مثال من الحياة العامة فلو ذهبنا الى أي بحار أو ربان سفينة على ظهر سفينته ثم سألناه، من الذي مدَ هذه السفينة؟ أو ما هو مدد السفينة؟ فإنه سيجيب السفينة مددها ياباني أو هولندي أو الخ.. بمعنى تم بناء السفينة في اليابان وهم الذين قاموا بمد ألواح الحديد أو الفولاذ.
ولكننا نلاحظ أن السفينة لست شيء مسطح وفيها مناطق مستديرة على شكل كروي مثل مقدمتها ومؤخرتها.

إذا فالمد أو المدد قد يأتي بمعنى البناء، فهوى لا يشترط شكلا هندسيا معين أو محدد على سبيل المثال خزانات الغاز الكبيرة وتكون عادة على شكل كروي ممدودة من ألواح الفولاذ وأيضا هناك خزانات النفط البترول ومشتقاته فهي ممدودة على شكل اسطواني مستدير.

وهكذا الأرض أيضا ممدودة طولا وعراضا أيا كان شكلها الهندسي، وممدودة بالماء والأكسجين والنبات والأشجار والثمرات وبكل أنواع الحياة لقد مدها الله سبحانه وتعالى بكل ما تحمل الكلمة من معنى 


تم بفضل الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.






Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.